فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129)}.
دعاء إبراهيم عليه السلام الله سبحانه وتعالى ليتم نعمته على ذريته ويزيد رحمته على عباده.. بأن يرسل لهم رسولا يبلغهم منهج السماء حتى لا تحدث فترة ظلام في الأرض تنتشر فيها المعصية والفساد والكفر ويعبد الناس فيها الأصنام كما حدث قبل إبراهيم. كلمة {رسولا منهم} ترد على اليهود الذين أحزنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب، وأن الرسالة كان يجب أن تكون فيهم.. ونحن نقول لهم أن جدنا وجدكم إبراهيم وأنتم من ذرية يعقوب بن إسحاق ومحمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم وأخ لإسحاق.. ولا حجة لما تدعونه من أن الله فضلكم واختاركم على سائر الشعوب.. إنما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يسلب منكم النبوة لأنكم ظلمتم في الأرض وعهد الله لا يناله الظالمون.
أراد الحق تبارك وتعالى أن يقول لهم أن هذا النبي من نسل إبراهيم وأنه ينتمي إلي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وقوله تعالى: {يتلو عليهم آياتك}.. أي آيات القرآن الكريم.
وقوله تعالى: {ويعلمهم الكتاب والحكمة}.. يجب أن نعرف أن هناك فرقا بين التلاوة وبين التعليم. فالتلاوة هي أن تقرأ القرآن، أما التعليم فهو أن تعرف معناها وما جاءت به لتطبقه وتعرف من أين جاءت.. وإذا كان الكتاب هو القرآن الكريم فإن الحكمة هي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال الحق سبحانه وتعالى فيها في خطابه لزوجات النبي: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} من الآية 34 سورة الأحزاب.
وقوله تعالى: {ويزكيهم} أي ويطهرهم ويقودهم إلي طريق الخير وتمام الإيمان.
وقوله جل جلاله: {إنك أنت العزيز الحكيم}.. أي العزيز الذي لا يغلب لجبروته ولا يسأله أحد.. و{الحكيم} الذي لا يصدر منه الشيء إلا بحكمة بالغة. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- التعرض لعنوان الربوبية {ابتلى إبراهيم ربه} تشريف له عليه السلام، وإيذان بأن ذلك الابتلاء تربية له، وترشيح لأمر خطير، والمراد أنه سبحانه عامله معاملة المختبر، حيث كلفه بأوامر ونواهي، يظهر بها استحقاقه للإمامة العظمى.
2- إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل في قوله: {وأمنا} للمبالغة، والإسناد مجازي، أي آمنا من دخله كقوله تعالى: {ومن دخله كان آمنا} وخير ما فسرته بالوارد.
3- إضافة البيت إلى ضمير الجلالة {وطهر بيتي} للتشريف والتعظيم.
4- قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم} ورد التعبير بصيغة المضارع حكاية عن الماضي، ولذلك وجه معروف في محاسن البيان، وهو استحضار الصورة الماضية، وكأنها مشاهدة بالعيان، فكأن السامع ينظر ويرى إلى البنيان وهو يرتفع أمامه، والبناء هو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، قال أبو السعود: وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها العجيبة المنبئة عن المعجزة الباهرة.
5- {التواب الرحيم} صيغتان من صيغ المبالغة، لأن فعال وفعيل من صيغ المبالغة، أي عظيم المغفرة، واسع الرحمة، لا يخيب من دعاه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}.
في ضمير {فيهم} قولان:
أحدهما: أنه عائد على معنى الأمة؛ إذ لو عاد على لفظها لقال: فيها قاله أبو البقاء.
والثاني: أنه يعنود على الذّرية بالتأويل المتقدم وقيل: يعود على أهل مكة، ويؤيده: {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولًا مِّنْهُمْ} [الجمعة: 2]، وفي قراءة أبي: {وَابْعَثْ فيهِمْ فِي آخِرِهُمْ رَسُلًا مِنْهُمْ}.
قوله: {مِنْهُمْ} في محلّ نصب، لأنه صفة ل {رسولًا}، فيتعلّق بمحذوف، أي: رسولًا كائنًا منهم.
قال ابن الأنباري: يشبه أن يكون أصله من قولهم: ناقة مرْسَال ورسلة، إذا كانت سهلة السير ماضية أمام النُّوق.
ويقال للجماعة المهملة المرسلة: رسل، وجمعه أَرْسَال. ويقال: جاء القوم أَرْسالًا، أي بعضهم في أثر بعض، ومنه يقال للبن: رسل، لأنه يرسل من الضرع. نقله القرطبي رحمه الله تعالى.
قوله: {يَتْلُوا} في محلّ هذه الجملة ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنها في محلّ نصب صفة ثانية ل {رسولًا}، وجاء هذا على الترتيب الأحسن، إذا تقدم ما هو شبيه بالمفرد، وهو المجرور على الجملة.
والثاني: أنها في محل نصب على الحال من {رَسُولًا}؛ لأنه لما وصف تخصص.
الثالث: أنها حال من المضير في {منهم}، والعامل فيها الاستقرار الذي تعلّق به {منهم} لوقوعه صفةً.
وتقدم قوله: {العزيز}؛ لأنها صفة ذات، وتأخر {الحكيم}؛ لأنها صفة فعل.
ويقال: عَزَّ، ويَعَزُّ، ويعِزُّ، ولكن باختلاف معنى، فالمَضْمُوم بمعنى غلب، ومنه: {وَعَزَّنِي فِي الخطاب} [ص: 23].
والمفتوح بمعنى الشدة، ومنه: عزّ لحم الناقة، أي: اشتد، وعَزّ عليّ هذا الأمر، والمكسور بمعنى النَّفَاسة وقلّة النظير. اهـ.

.تفسير الآية رقم (130):

قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}.

.سبب النزول:

قال الخازن:
إن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه إلى الإسلام مهاجرًا وسلمة، وقال لهما: قد علمتما أن الله تعالى قال في التوراة إني باعث من ولد إسماعيل نبيًا اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى، ومن لم يؤمن به فهو ملعون، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فأنزل الله تعالى:
{ومن يرغب عن ملة إبراهيم} أي يترك دينه وشريعته، وفيه تعريض باليهود والنصارى ومشركي العرب لأن اليهود والنصارى يفتخرون بالانتساب إلى إبراهيم والوصلة إليه، لأنهم من بني إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، والعرب يفتخرون به لأنهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم وإذا كان كذلك كان إبراهيم هو الذي طلب بعثة هذا الرسول في آخر الزمان فمن رغب عن الإيمان بهذا الرسول الذي هو دعوة إبراهيم فقد رغب عن ملة إبراهيم. اهـ.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: فمن يرغب في مخالفة من يرسله من هو بهذه الصفة عطف عليه قوله: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم} المستقيم الطريقة، الطاهر الخليقة، الشفيق على ذريته، الباني لهم أعظم المفاخر، المجتهد لهم في جليل المناقب والمآثر {إلا من سفه نفسه} أي امتهنها واحتقرها واستخف بها، أي فعل بها ما أدى إلى ذلك؛ وفي ذلك تعريض بمعاندي أهل الكتاب.
قال الحرالي: والسفاهة خفة الرأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والقوة، وفي نصب النفس إنباء بلحاق السفاهة بكلية ذي النفس، لأن من سفهت نفسُه اختص السفه بها، ومن سفه نفسَه- بالنصب- استغرقت السفاهة ذاته وكليته وكان بدء ذلك وعاديته من جهة نفسه، يفهم ذلك نصبها، وذلك لأن الله عز وجل جعل النفس مبدأ كل شر أبداه في ذات ذي النفس، فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة، ولا يُحذى الشر إلا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة الله على خلقه؛ وإنما استحق السفاهة من يرغب عن ملة إبراهيم لظهور شاهدها في العقل وعظيم بركتها في التجربة، لأن من ألقى بيده لم يؤاخذ في كل مرتبة من رتب الدنيا والآخرة، فلا عذر لمن رغب عن ذلك، لظهوره في شاهدي العقل والحس اللذين هما أظهر حجج الله على خلقه {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} [الأنعام: 83].
ولما كان التقدير: فلقد آتيناه من المزايا ما قدّمنا لكم مما لا يعدل عنه ذو مسكة عطف عليه قوله: {ولقد اصطفيناه} فذكره بمظهر العظمة تعظيمًا له، فإن العبد يشرف بشرف سيده، وتشريفًا لاصطفائه فإن الصنعة تجل بجلالة مبدعها {في الدنيا} بما ذكرناه من كريم المآثر التي يجمعها إسلامه؛ وهو افتعال من الصفوة وهي ما خلص من اللطيف عن كثيفه ومكدره، وفي صيغة الافتعال من الدلالة على التعمد والقصد ما يزيد فيما أشير إليه من الشرف {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} وفي هذا أكبر تفخيم لرتبة الصلاح حيث جعله من المتصفين بها، فهو حقيق بالإمامة لعلو رتبته عند الله في الدارين، ففي ذلك أعظم ترغيب في اتباع دينه والاهتداء بهديه، وأشد ذم لمن خالفه؛ وكل ذلك تذكير لأهل الكتاب بما عندهم من العلم بأمر هذا النبي الكريم وما هو سبب له، وإقامة للحجة عليهم، لأن أكثر ذلك معطوف على {اذكروا} قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي} [البقرة: 122]. اهـ.

.اللغة:

{سفه نفسه} امتهنها واستخف بها، وأصل السفه: الخفة ومنه زمام سفيه أي خفيف.
{اصطفيناه} أي جعلناه صافيا من الأدناس، مشتق من الصفوة ومعناه تخير الأصفى، والمراد اصطفاؤه بالرسالة والخلة والإمامة العظمى.
{وصى} التوصية: إرشاد الغير إلى ما فيه صلاح وقربة.
{شهداء} جمع شاهد أي حاضر.
{خلت} مضت وانقرضت. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال في الميزان:

قوله تعالى: ولقد اصطفيناه في الدنيا، الاصطفاء أخذ صفوة الشيء وتمييزه عن غيره إذا اختلطا، وينطبق هذا المعنى بالنظر إلى مقامات الولاية على خلوص العبودية وهو أن يجري العبد في جميع شئونه على ما يقتضيه مملوكيته وعبوديته من التسليم الصرف لربه، وهو التحقق بالدين في جميع الشئون فإن الدين لا يشتمل إلا على مواد العبودية في أمور الدنيا والآخرة وتسليم ما يرضيه الله لعبده في جميع أموره كما قال الله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} آل عمران- 19، فظهر: أن مقام الاصطفاء هو مقام الإسلام بعينه ويشهد بذلك قوله تعالى: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين الآية} فإن الظاهر أن الظرف متعلق بقوله: اصطفيناه، فيكون المعنى أن اصطفائه إنما كان حين قال له ربه: أسلم، فأسلم لله رب العالمين فقوله تعالى: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}، بمنزله التفسير لقوله: اصطفيناه. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلَقَدِ اصطفيناه فِي الدنيا}، يقول: اخترناه في الدنيا للنبوة والرسالة والإسلام والخلة.
{وَإِنَّهُ في الآخرة لَمِنَ الصالحين}، أي في الجنة. ويقال: مع الصالحين في الجنة وهو أفضل الصالحين ما خلا محمدًا صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.بحث نفيس عن الصلاح ومراتبه:

قوله تعالى: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين}: الصلاح، وهو اللياقة بوجه ربما نسب في كلامه إلى عمل الإنسان وربما نسب إلى نفسه وذاته، قال تعالى: {فليعمل عملا صالحا} [الكهف- 110]، وقال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور- 32].
وصلاح العمل وإن لم يرد به تفسير بين من كلامه تعالى غير أنه نسب إليه من الآثار ما يتضح به معناه.
فمنها: أنه صالح لوجه الله، قال تعالى: {صبروا ابتغاء وجه ربهم} [الرعد- 22]، وقال تعالى: {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} [البقرة- 272].
ومنها: أنه صالح لأن يثاب عليه، قال تعالى: {ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} [القصص- 80].
ومنها: أنه يرفع الكلم الطيب الصاعد إلى الله سبحانه قال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر- 10]، فيستفاد من هذه الآثار المنسوبة إليه: أن صلاح العمل معنى تهيؤه ولياقته لأن يلبس لباس الكرامة ويكون عونا وممدا لصعود الكلام الطيب إليه تعالى، قال تعالى: {ولكن يناله التقوى منكم} وقال تعالى: {وكلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} [الإسراء- 20]، فعطائه تعالى بمنزلة الصورة، وصلاح العمل بمنزله المادة.
وأما صلاح النفس والذات فقد قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فاؤلئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أؤلئك رفيقا} [النساء- 69] وقال تعالى: {وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين} [الأنبياء- 86] وقال تعالى حكاية عن سليمان: {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} [النمل- 19] وقال تعالى: {ولوطا آتيناه حكما وعلما}- إلى قوله: {وأدخلناه في رحمتنا إنه الصالحين} [الأنبياء- 75] وليس المراد الصلاح لمطلق الرحمة العامة الإلهية الواسعة لكل شيء ولا الخاصة بالمؤمنين على ما يفيده قوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} [الاعراف- 156] إذ هؤلاء القوم وهم الصالحون، طائفة خاصة من المؤمنين المتقين، ومن الرحمة ما يختص ببعض دون بعض، قال تعالى: {يختص برحمته من يشاء} [البقرة- 105] وليس المراد أيضا مطلق كرامة الولاية، وهو تولي الحق سبحانه أمر عبده، فإن الصالحين وإن شرفوا بذلك وكانوا من الأولياء المكرمين على ما بيناه سابقا في قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} [فاتحة الكتاب- 6] وسيجئ في تفسير الآية لكن هذه أعني الولاية صفة مشتركة بينهم وبين النبيين، والصديقين، والشهداء فلا يستقيم إذن عدهم طائفة خاصة في قبالهم.
نعم الأثر الخاص بالصلاح هو الإدخال في الرحمة، وهو الأمن العام من العذاب كما ورد المعنيان معا في الجنة، قال تعالى: {فيدخلهم ربهم في رحمته} [الجاثية- 30] أي في الجنة، وقال تعالى: {يدعون فيها بكل فاكهة آمنين} [الدخان- 55] أي في الجنة.
وأنت إذا تدبرت قوله تعالى: {وأدخلناه في رحمتنا} [الأنبياء- 75]، وقوله: {وكلا جعلنا صالحين} [الأنبياء- 72]- حيث نسب الفعل إلى نفسه تعالى لا إلى العبد- ثم تأملت أنه تعالى قصر الأجر والشكر على ما بحذاء العمل والسعي قضيت بأن الصلاح الذاتي كرامة ليست بحذاء العمل والإرادة وربما تبين به معنى قوله تعالى: {لهم ما يشاؤن فيها} وهو ما بالعمل- وقوله: {ولدينا مزيد}- وهو أمر غير ما بالعمل على ما سيجئ بيانه إن شاء الله في تفسير قوله تعالى: {لهم ما يشاؤن فيها} [ق- 35].
ثم إنك إذا تأملت حال إبراهيم ومكانته في أنه كان نبيا مرسلا وأحد أولي العزم من الأنبياء، وأنه إمام، وأنه مقتدى عدة ممن بعده من الأنبياء والمرسلين وأنه من الصالحين بنص قوله تعالى: {وكلا جعلنا صالحين} [الأنبياء- 72] الظاهر في الصلاح المعجل على أن من هو دونه في الفضل من الأنبياء أكرم بهذا الصلاح المعجل وهو مع ذلك كله يسأل اللحوق بالصالحين الظاهر في أن هناك قوما من الصالحين سبقوه وهو يسأل اللحوق بهم فيما سبقوه إليه، وأجيب بذلك في الآخرة كما يحكيه الله تعالى في ثلاثة مواضع من كلامه حيث قال تعالى: {ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [البقرة- 130] وقال تعالى: {وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [العنكبوت- 27] وقال تعالى: {وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [النحل- 122] فإذا تأملت ذلك حق التأمل قضيت بأن الصلاح ذو مراتب بعضها فوق بعض. اهـ.